أنواع الأدب في هذا العصر:
يمكننا أن نقسّم الأدب في هذا العصر إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل:
الغزل بنوعيه، الغزل الماجن والغزل العفيف، مع نماذج شعرية من كلا النوعين.
القسم الثاني:
أدب الطفّ (عاشوراء) ويشمل نماذج من أقوال الإمام الحسينوأهل بيته(عليهم
السلام) وأصحابه، بالإضافة إلى نماذج مختارة من أقوال مسؤولين من المعسكر
الاُموي، مضافاً إلى ذلك نصوص قيلت بعد واقعة الطفّ. وهذا ما سنتحدّث عنه
في الفصل القادم.
القسم الثالث:
الأدب والشعر السياسي الديني، والذي يحتوي على:
1 ـ شعر الشيعة: ويتمثّل بشعر الشاعر الكميت الأسدي.
2 ـ شعر الخوارج: ويتمثّل هذا النوع بشعر عمران بن حطّان الذي مدح ابن
ملجم على ضربته لإمام المتّقين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في محراب
الكوفة.
3 ـ شعر المرجئة: وهم اُمويّون قالوا إنّنا نطيع الخليفة ولو كان فاسقاً
ونرجئ أمره إلى الله فالله هو الذي يتولّى حسابه، ويمثّل هذا الجناح
الأخطل المشهور بالخمريات، والحطيئة وجرير، إضافة إلى الفرزدق الذي كان
يتردّد على البلاط الاُموي لسدّ ودفع التهمة ولكنّه في آخر عمره قرّر
مصيره مع أهل البيت(عليهم السلام).
القسم الأوّل: الغــزل
لقد انحدر الغزل الاُموي من الغزل الجاهلي، والفارق هو أنّ الغزل في
القصيدة الجاهلية كان غرضاً من أغراض القصيدة يأتي في أبيات، ثمّ ينتقل
إلى غرض آخر في نفس القصيدة. أمّا في العصر الاُموي فقد أصبح الغزل يختصّ
في قصيدة كاملة، فلا يذكر الشاعر في قصيدته غير الغزل. ويمكن تقسيم الغزل
إلى نوعين:
1 ـ الغزل المـاجن ( الغزل الحضري ):
فهو غزل إباحي. وكثر مثل هذا الغزل في الحضر حيث المدينة والحضارة والثروة
(إِنَّ الاِْنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَآهُ اسْتَغْنَى )، حيث اجتمع اليأس
مع وفرة الثروة فانتجا اللهو والإسراف. وساعد على ذلك كثرة الرقيق وانتشار
ضروب الملاهي والغناء والموسيقى، حيث توجد فضائح في البلاط الاُموي نُشرت
في الكتب الأدبية والتي تعكس شرب الخمر والزنا وغيرها من المفاسد وأشعار
الفسق والفجور من قِبل اُمراء الاُمويّين لا يمكن ذكرها، كالذي يفعله
الوليد بن
عبد الملك، فقد كان في بلاطه حوضاً مملوءً بالشراب (الخمر) فكان يغتسل
داخل هذا الحوض ويرتكب الزنا. ثمّ إنّ التاريخ يحدّثنا أنّ الوليد بن يزيد
بن عبد الملك لمّا عهدت له الخلافة كان منهمكاً في اللهو والشراب وسماع
الغناء، مستهتراً بالمعاصي منتهكاً للحرمات زنديقاً. وكانت له أشعار في
المجون، حيث قيل إنّه استفتح في القرآن فاتّفقت له الآية الكريمة
وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنِيد)، فألقى المصحف من يده ورماه بسهم ثمّ أنشد:
تُهدّدُني بجبار عنيد ***** نعم أنا ذاك جبارٌ عنيد إذا ما جئت ربّك يوم حشر ***** فقل يا ربّ خرقني الوليد
كلّ هذه المظاهر الفاسدة والخارجة عن الإسلام وباسم الإسلام، بينما نلاحظ
الجانب الآخر بيوت بني هاشم، يُسمع القرآن والبكاء والاستغفار حيث يذكرهم
القرآن: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)
ومن أشهر شعراء الغزل الماجن، عمر بن أبي ربيعة والأحوص والوليد بن يزيد.
إنّ عمر بن أبي ربيعة كان يعشق هند (هند غير هند اُمّ معاوية) حيث قال:
كُلّما قلتُ متى ميعادُنا ***** ضحِكَتْ هندٌ وقالت بعد غد
2 ـ الغزل العفيف ( العذري ):
كثر مثل هذا الشعر في البدو حيث الخيمة والفقر، فقد اجتمع الفقر والحرمان،
وعفّت النفس واللسان. ويلقّبون شعراء هذا النوع من الغزل بشعراء العشّاق
حيث
كانوا يعيشون في نجد مجاور الحجاز، لذا سمّيت نجد بأرض العشّاق، ويمتاز
شعرهم بالعفّة والعذوبة، وأنّه سهل مُحبّب إلى النفس الإنسانية.
وأشهر شعراء العشّاق:
أ ـ قيس بن الملوّح، يُذكر اسمه مع بنت عمّه ليلى العامرية، واشتهر بمجنون ليلى.
ب ـ جميل، وله شعر في بثينة، ولأجل ذلك سمّي بـ (جميل بثينة).
جـ ـ كُثَيِّر، كان يحبّ ويعشق عزّة.
د ـ عروة في عفراء، له شعر فيها.
هـ ـ توبة له شعر في ليلى الأخيلية، وهما شاعران.
وهناك شعراء كثيرون في هذا المجال، نكتفي بذكر ثلاثة منهم:
كُثَيِّر عزّة :
اسمه كَثِير بفتح الكاف وكسر الثاء ولفرط قِصَرِه سمّي بِكُثيِّر. وُلد في
عام 23هـ بالحجاز، وكان يرعى الأغنام، ويروى أنّه اعتنق مذهب الكيسانيّة،
وقد اختلف في تاريخ وفاته، والأرجح أنّه توفّي سنة 105
إنّ المتتبّع لاُسلوب وألفاظ كُثيّر يجدها تتباين بين الوضوح والغرابة
والسهولة والتعقيد. يحتوي ديوانه على أكثر الأغراض الشعرية ولكن أبرزها
شعره الغزلي العذري والذي ينبع من الطبيعة البدوية الصافية وبُعدها عن ترف
المدن.
المختار من شعره:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ***** قُلُوصيكما ثمّ ابكيا حيثُ حلّت
وما كنت أدري قبل عَزَّة ما البُكا ***** ولا مُوجعاتُ القلب حتّى
تَوَلَّتِوكانت لقطع الحبل بيني وبينها ***** كناذرة نذراً فأوفت وحلَّتِ
فقلتُ لها يا عَزُّ كُلُّ مصيبَة ** إذا وُطِّنَتْ يوماً لها النفس
ذَلَّتِ فلا يَحسبِ الواشون أنّ صبابتي ** بعزَّةَ كانت غمْرةً
فتجلَّتِفواللهِ ثمَّ واللهِ لا حلَّ بعدها ** ولا قبلها من خُلّة حيث
حلَّتِ تمنَّيتُها حتّى إذا ما رأيتُها ** رأيتُ المنايا شَرعاً قد أظلَّتِ
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــع